فصل: فروق لغوية دقيقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

يجُوز في {مَنْ} وجهان:
أظهرهما: أنها شرطيَّة، وجوابُها قوله: {فعند الله}، ولابد من ضميرٍ مقدَّرٍ في هذا الجواب يعُودُ على اسم الشَّرْطِ؛ لما تقرر قبل ذلك، والتقدير: فعند الله ثوابُ الدنيا والآخرِة له إن أراده، وهذا تقدير الزَّمَخْشَرِيِّ، قال الزمخشري «حتَّى يتعلقَّ الجزاءُ بالشَّرْطِ».
وأوردهُ ابن الخِطِيب على وَجْه السُّؤال قال:
فإن قيل: كَيْفَ دخلتِ الفاءُ في جواب الشَّرْط، وعنده تعالى ثوابُ الدُّنْيَا والآخِرِة، سواءً حصلت هذه الإرادة أم لا.
قلنا: تقدير الكلام: فعند الله ثوابُ الدُّنْيَا والآخِرَة له إن أرَادَهُ، وعلى هذا التَّقْدِير يتعلَّق الجَزَاءُ بالشَّرْط.
وجَوَّز أبو حيَّان- وجعله الظَّاهر- أنَّ الجواب مَحْذُوفٌ، تقديره: من كان يريد ثواب الدُّنيا فلا يَقْتَصِر عليه، وليَطْلُبِ الثَّوابَيْن، فعند الله ثوابُ الدَّارَيْن.
والثاني: أنها موصولةٌ ودخلت الفاءُ في الخَبَر؛ تشبيهًا له باسم الشَّرْط، ويُبْعِده مُضِيُّ الفِعْلِ بعده، والعائدُ مَحْذُوفٌ؛ كما تقرَّر تَمْثِيلُه. اهـ.

.فروق لغوية دقيقة:

فصل في الفرق بين الثواب والعوض وبين العوض والبدل وبين القيمة والثمن:

.الفرق بين الثواب والعوض:

أن العوض يكون على فعل العوض والثواب لا يكون على فعل المثيب وأصله المرجوع وهو ما يرجع إليه العامل والثواب من الله تعالى نعيم يقع على وجه الإجلال وليس كذلك العوض لأنه يستحق بالألم فقط وهو مثامنة من غير تعظيم فالثواب يقع على جهة المكافأة على الحقوق والعوض يقع على جهة المثامنة في البيوع.

.الفرق بين الثواب والأجر:

أن الأجر يكون قبل الفعل المأجور عليه والشاهد أنك تقول ما أعمل حتى أخذ أجري ولا تقول لا أعمل حتى أخذ ثوابي لأن الثواب لا يكون إلا بعد العمل على ما ذكرنا هذا على أن الأجر لا يستحق له إلا بعد العمل كالثواب إلا أن الاستعمال يجري بما ذكرناه وأيضا فإن الثواب قد شهر في الجزاء على الحسنات والأجر يقال في هذا المعنى ويقال على معنى الأجر التي هي من طريق المثامنة بأدنى الأثمان وفيها معنى المعاوضة بالانتفاع.

.الفرق بين العوض والبدل:

أن العوض ما تعقب به الشيء على جهة المثامنة وتقول هذا الدرهم عوض من خاتمك وهذا الدينار عوض من ثوبك ولهذا يسمى ما يعطي الله الأطفال على إيلامه إياهم إعواضا والبدل ما يقام مقامه ويوقع موقعه على جهة التعاقب دون المثامنة ألا ترى أنك تقول لمن أساء لمن أحسن إليه أنه بدل نعمته كفرا لأنه أقام الكفر مقام الشكر فلا تقول عوضه كفرا لأن معنى المثامنة لا يصح في ذلك ويجوز أن يقال العوض هو البدل الذي ينتفع به وإذا لم يجعل على الوجه الذي ينتفع به لم يسم عوضا والبدل هو الشيء الموضوع مكان غيره لينتفع به أولا.
قال ابن دريد الأبدال جمع بديل مثل أشراف وشريف وفنيق وأفناق وقد يكون البدل الخلف من الشيء البدل عند النحويين مصدر سمي به الشيء الموضوع مكان آخر قبله جاريا عليه حكم الأول وقد يكون من جنسه وغير جنسه ألا ترى أنك تقول مررت برجل زيد فتجعل زيدا بدلا من رجل وزيد معرفة ورجل نكرة والمعرفة من غير جنس النكرة.

.الفرق بين تبديل الشيء والإتيان بغيره:

أن الإتيان بغيره لا يقتضي رفعه بل يجوز بقاؤه معه وتبديله لا يكون إلا برفعه ووضع أخر مكانه ولو كان تبديله والإتيان بغيره سواء لم يكن لقوله تعالى: {أئت بقرآن غير هذا أو بدله} فائدة وفيه كلام كثير أوردناه في تفسير هذه السورة وقال الفراء يقال بدله إذا غيره وأبدله جاء ببدله.

.الفرق بين العوض والثمن:

أن الثمن يستعمل في ما كان عينا أو ورقا والعوض يكون من ذلك ومن غيره تقول أعطيت ثمن السلعة عينا أو ورقا وأعطيت عوضها من ذلك أو من العوض وإذا قيل الثمن من غير العين والورق فهو التشبيه.

.الفرق بين القيمة والثمن:

أن القيمة هي المساوية لمقدار المثمن من غير نقصان ولا زيادة والثمن قد يكون بخسا وقد يكون وفقا وزائدا والملك لا يدل على الثمن فكل ما له ثمن مملوك وليس كل مملوك له.
ثمن وقال الله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} فأدخل الباء في الآيات وقال في سورة يوسف {وشروه بثمن بخس} فأدخل الباء في الثمن.
قال الفراء هذا لأن العروض كلها أنت مخير في إدخال الباء فيها إن شئت قلت اشتريت بالثوب كساء وإن شئت قلت اشتريت بالكساء ثوبا أيهما جعلته ثمنا لصاحبه جاز فإذا جئت إلى الدراهم والدنانير وضعت الباء في الثمن لأن الدراهم أبدا ثمن.

.الفرق بين الشراء والاستبدال:

أن كل شراء استبدال وليس كل استبدال شراء لأنه قد يستبدل الإنسان غلاما بغلام وأجيرا بأجير ولم يشتره. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}
لمَّا علَّقوا قلوبهم بالعاجل من الدنيا ذكَّرهم حديث الآخرة، فقال: {فَعِندَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} تعريفًا لهم أنَّ فوق هممهم من هذه الخسيسة ما هو أعلى منها من نعيم الآخرة، فلمَّا سَمَتْ إلى الآخرة قصودُهم قطعهم عن كل مرسوم ومخلوق بقوله: {وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73]. اهـ.
سئل الجنيد عن رجل غاب اسمه وذهب وصفه وامتحى رسمه فقال: نعم عند مشاهدته قيام الحق له بنفسه لنفسه في ملكه، فيكون ذلك معنى قوله امتحى رسومه يعنى علمه وفعله المضاف إليه بنظره إلى قيام اللّه له في قيامه.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}
ومادام الرسل قد أبلغوا الإنسان أن عند الله ثواب الدنيا والآخرة فلمَ الغفلة؟ ولمَ لا تأخذ الزيادة؟، ولماذا نذهب إلى صفقة الدنيا فقط مادام الحق يملك ثواب الدنيا من صحة ومال وكل شيء، وإن اجتهد الإنسان في الأسباب يأخذ نتيجة أسبابه. فالحق يقول: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى: 20]
ولم يقل الحق: إن «الآخرة» في مقابلة للدنيا؛ وأن من يأخذ الدنيا لن يأخذ الاخرة أو العكس، بل يريد- سبحانه للإنسان أن يأخذ الدنيا والآخرة معًا، فيا من تريد ثواب الدنيا لا تحرم نفسك بالحمق من ثواب الآخرة. وكلمة {ثواب} فيها ملحظ؛ فهناك أشياء تفعل لك وإن لم تطلب منها أن تفعل، وتنتفع بعملها وإن لم تطلب من الأشياء أن تفعل. وهناك أشياء أخرى تنفعل بحركتك، فإن تحركت وسعيت وعملت فيها تعطك.
مثال ذلك الأرض، فإن بذرت فيها تخرج الزرع، واختلافات الناس في الدنيا تقدمًا وتأخرًا وحضارة وبداوة وقوة وضعفًا إنما تأتي من القسم الذي ينفعل للإنسان، لا من القسم الذي يُفْعَل للإنسان. ويسخر له، وتقدم بعض البشر في الحضارة إنما جاء لأنهم بحثوا في المادة والعناصر، وأنجزوا إنجازات علمية هائلة في المعامل، فإن أردت أن تكون متقدمًا فعليك أن تتعامل مع العناصر التي تنفعل لك، والأمم كلها إنما تأخذ حضارتها من قسم ما ينفعل لها، وهم والمتأخرون شركاء فقط فيما يُفعل لهم ويسخَّر لصالحهم.
وإن أردنا الارتقاء أكثر في التحضر.. فعلينا أن نذهب إلى ما يُفْعل ويسخّر لنا ونتعامل نعه حتى ينفعل لنا.. كيف؟.
الشمس تمدنا بالضوء والحرارة، ونستطيع أن نتعامل مع الشمس تعاملًا آخر يجعلها تنفعل لنا، مثلما جئنا بعدسة اسمها «العدسة اللاّمة» التي تستقبل أشعة الشمس وتتجمع الأشعة في بؤرة العدسة؛ فتحدث حرارة تشعل النار، أي أننا جعلنا ما يُفْعَل لنا يتحول إلى منفعل لنا أيضًا. ويسمون ذلك الطموح الانبعاثي. والمطر يفعل للإنسان عندما ينزل من السماء في وديان، ويستطيع الإنسان أن يحوله إلى منفعل عندما يضع توربينات ضخمة في مسارات نزوله فينتج الكهرباء.
إذن فحضارات الأمم إنما تنشأ من مراحل. المرحلة الأولى: تستخدم ما ينفعل لها، والمرحلة الثانية: ترتقي فتستخدم ما ينفعل معها. والمرحلة الثالثة: تستخدم ما يفعل لها كمنفعل لها؛ مثال ذلك استخدام الطاقة الشمسية بوساطة أجهزة تجمع هذه الطاقة ارتقاءً مع استخدام ما يفعل للإنسان لينفعل مع الإنسان.
وأسمى شيء في الحضارة الآن هو أشعة الليزر التي تصنع شبه المعجزات في دنيا الطب. وكلمة «ليزر» مأخوذة كحروف من كلمات تؤدي معنى تضخيم الطاقة بواسطة الانبعاث الاستحثائي، فكلمة «ليزر»- إذن- مثلها كلمة «ليمتد» فاللام من كلمة.
والياء من كلمة، والتاء من كلمة، والدال من كلمة، وذلك لتدل على مسمّى.
وترجمة مسمّى «ليزر» هو تضخيم الطاقة عن طريق الانبعاث الاستحثائي. ففيه انبعاث تلقائي هو مصدر الطاقة الذي يُفعل للإنسان وإن لم يطلبه، أما الانبعاث الاستحثائي فينتج عندما يحث الإنسان الطاقة لتفعل له شيئًا آخر. والانبعاث التلقائي متمثل في الشمس فتعطي ضوءا وحرارة. وعندما جلس العلماء في المعامل وصمموا العدسة التي تنتج هذه الأشعة أهاجوها وأثاروها وأخذوا ليصنعوا منها طاقة كبيرة. وهكذا أنتجوا أشعة الليزر التي هي تضخيم للطاقة عن طريق الانبعاث الاستحثائي، ولأن العنوان طويل فقد أخذوا من كل كلمة حرفًا وكوّنوا كلمة «ليزر».
إذن فالارتقاءات الحضارية تأتي عن طريق تعامل الإنسان مع القسم الذي ينفعل للإنسان، واستحثاث واستخدام ما يُفعل له بطريقته التلقائية لينفعل معه كأشعة الشمس مثلا.
وجئنا بذكر كل ذلك من أجل أن نستوضح آفاق قول الحق: {مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا}. وكلمة {ثواب} إذن توحي بأن هناك عملًا، فالثواب جزاء على عمل. فإن أردت ثواب الدنيا، فلابد أن تعمل من أجل ذلك. فلا أحد يأخذ ثواب الدنيا بدون عمل.
ومن عظمة الحق ولطفه وفضله ورحمته أن جعل ثواب الدنيا جائزة لمن يعمل، سواء آمن أم كفر، ولكنه خص المؤمنين بثواب باق في الآخرة.
ولذلك يقال: «الدنيا متاع». ويزيد الحق على ذلك: {فَعِندَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}. ومن الحمق أن يوجد طريق يعطي الإنسان جزاءين ثم يقصر همته على جزاء واحد.
وهنا ملحظ آخر؛ فحينما تكلم الحق عن ثواب الدنيا، دل على أنه لابد من العمل لنأخذ الدنيا، ولم يذكر الحق ثوابًا للآخرة، بل جعل سبحانه الثواب للاثنين.. الدنيا والآخرة، إذن فالذي يعمل للدنيا من المؤمنين إنما يأخذ الآخرة أيضًا؛ لأن الآخرة هي دار جزاء، والدنيا هي مطية وطريق وسبيل. فكأن كل عمل يفعله المسلم ويجعل الله في باله.. فالله يعطيه ثوابًا في الدنيا، ويعطيه ثوابًا في الآخرة.
ويذيل الحق الآية: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}- إذن- فثواب الدنيا والآخرة لا يتأتى إلا بالعمل، والعمل هو كل حدث يحدث من جوارح الإنسان، القول- مثلًا- حدث من اللسان، وهو عمل أيضًا، والمقابل للقول هو الفعل. فالأعمال تنقسم إلى قسمين: إلى الأقوال وإلى الأفعال. ولتوضيح هذا الأمر نقرأ قول الحق: {كَلاَّ بَل لاَّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَآضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا} [الفجر: 17- 19]